17908.jpg

من ذكريات الجندي كافروش حول مشاركته في معركة ساردارابات

من ذكريات الجندي كافروش حول مشاركته في معركة ساردارابات

ولد كافروش، خاتشيك ساركيس قزانجيان في عام 1890 في يرزنكا وتوفي في دمشق، سوريا في عام 1973، ولكن من لم يسمع عن كافروش في دمشق؟

أنترانيك قزانجيان، الذي كان يسكن مقابل كنيسة القديس ساركيس للأرمن الأرثوذكس بدمشق، والذي كان باب منزله مفتوحاً دائماً للجميع، يخبرنا بفخر عن ذكريات والده كافروش.

ويقول السيد أنترانيك في إشارة إلى بداية القرن العشرين: “علَّمنا والدي أنه إذا كنت تريد أن تعيش، فاشعر بالحرية، لا تخف، فأرارات هي القوة الأرمنية، والسلاح هو السبيل الوحيد للحصول على الخلاص الأرمني” .

ساركيس، الذي كان مشهوراً في سوق يرزنكا بعمله بالنحاس والحديد، كان يتبع هو وأصدقاؤه مبادئ حزب التحالف الثوري (الطاشناك)، مدركين لجدّية الوضع، بدأوا سراً في منزل ساركيس بإعداد الذخيرة والرصاص وتصليح البنادق، الخ…

وعندما قرروا صنع قنبلة كان يومها عيد الشعانين، فقد أرسل ساركيس جميع أفراد عائلته إلى الكنيسة. وبدأ مع صديقيه ديكران وكاريكين بإعداد القنبلة. ولكن لسوء الحظ، انفجرت القنبلة واحترق منزل عائلة قزانجيان المتواجد في منطقة سورمانيان في يرزنكا وأصبح خراباً. واستشهد الرجال الذين كانت قلوبهم تنبض بمحبة الوطن. واهتزت المنطقة بأكملها ليس فقط من تأثير القنبلة بل أيضاً بسبب عدم إنجاز عمل أبناء الوطن.

تابع خاتشيك خطى والده ساركيس قزانجيان وانضم إلى صفوف البطل أنترانيك، وكان مليئاً ببذل النفس من أجل حب الأمة والوطن. “لا توجد حياة بدون الوطن الأرمني، الأرمن لا يعرفون أبداً الضعف، يجب أن لا ننسى دير الزور. الموت أو الحرية من أجل الأم أرمينيا”.

بدأت قصة المتطوع من يرزينكا عندما تم البدء بتنفيذ مشروع جمع الأيتام الأرمن ونقلهم إلى القوقاز.

كان في ذلك الوقت يتم بيع الأطفال الأيتام الأرمن في خاربرت بقيمة ليرة ذهبية واحدة، لذلك غادر خاتشيك والعديد من الرجال بهدف جمع الأطفال المتواجدين في المنطقة. وقد نقلوا الأطفال من مكان إلى مكان ونجحوا في جمع مجموعة من الأطفال الأرمن ونقلوهم إلى أرابكير، وبعد ذلك إلى يرزنكا. كان الطريق شائكاً بالنسبة إلى الأطفال، فكانوا يعانون من الخوف من اضطهاد الجيش التركي من جهة، والخوف من الشدائد التي عانوا منها من جهة أخرى، وقد عانوا من الرعب الشديد في قلوبهم الصغيرة.

بأمر من الشجاع مُراد من سيباستيا، بدأت قوافل الأطفال اليتامى طريقها إلى القوقاز. كان يتم تسليمهم على أجزاء إلى القيادة. وكان من بين القادة الشاعر هوفانيس تومانيان، الذي كأب أرمني وبطل شجاع، أصبح ذكراه خالداً في ذاكرة الأطفال.

لقد كان خاتشيك يتذكر بألم عملية النقل الآمن للأطفال في ظل الوضع الرهيب، كان نقل كل مجموعة تحدياً، ولكن لا يقف شيء أمام إرادة المتطوع.

وتم إنجاز المهمة، بمشيئة ومباركة الله القادر على كل شيء، وتم إيصال الأطفال إلى أيد أمينة. وفي اليوم التالي، وصلت مجموعة الفدائيين من يريفان، وأبلغ قائد المجموعة، زاتيك، بأن ثورة كبيرة بدأت في روسيا، ويتم سفك الدماء في موسكو ويتم قتل البلشفيون، وقد غادرت القوات الروسية الجبهة العسكرية للقوقاز وظهرت أرمينيا أمام خطر الغزو التركي.

لذلك بدأ الرجال العمل، ولكنهم في كثير من الأحيان كانوا يزورون الأطفال ويعقدون الاجتماعات ويهتمون باحتياجات الأطفال، وكان عند اللقاء يروي الأطفال عطشهم لعائلاتهم، وكان كل شخص من الفدائيين هو قريباً بالنسبة للأطفال الذين كانوا يتامى ولكنهم لم يبقوا من دون مأوى وحب وسعادة.

ولكن أية سعادة عندما كان العدو يستعد للضرب؟ كان من الضروري اتخاذ خطوة. وانضم إلى مجموعة الفدائيين في يريفان كل رجل قادر على حمل السلاح.

وخلال ثلاثة أيام، وصل خاتشيك وأصدقاؤه الشجعان إلى يريفان، وانضموا إلى عدد من الضباط والجنود الأرمن الذين كانوا يخدمون في الجيش الروسي هناك، وكان أيضاً حسن باشايان، قائدهم، الذي كان قد التقى به عدة مرات مع مراد في يرزنكا. وأُجري نداء شامل، برئاسة سيليكيان ونازاربيكيان وأرام مانوكيان. وتوجه الأبطال إلى ساردارابات.
كان الأبطال جاهزين للقتال وجهاً لوجه ضد الوحش العثماني.

بدأت في 22 أيار مايو عام 1918 المعركة الشرسة، وهاجم الفدائيون الشجعان وكانت النيران تتساقط بكثافة من كل جهة لدرجة أن الثلج المتساقط من السماء لم يستطع إطفائها. وكان بجانب خاتشيك نازار ولوتفيك ألباكيان، وثم انضم لهم زاديك وكريستابور. حافظ الجنود الأرمن الأقوياء على مواقعهم بشكل قوي. وأثناء القتال، جُرح خاتشيك وحمل على كتفه الأيسر الميدالية الأولى المكونة من رصاصة، وضمَّد أصدقاؤه الجرح فوراً، وكانت الحرب مستمرة، وكان رجال الأرمن يتقدمون إلى الأمام، وكان الرجال الشجعان يسمعون ما يقوله حسن باشايان: “اضربوا بقوة، اضربوا بحسب عمق جروحنا”.

وفي نفس الوقت بدأ خورين بالغناء: ” يا وطننا البائس، بدون ملجأ، الذي يدوسه عدونا، سيتحرر بدم ابنائه الشجعان”.

واصل أبناء أرمينيا الشجعان التقدم، كان خاتشيك مصاباً، ولكنه لم يغادر أرض المعركة، وقد رأى ستة أتراك في الحفرة، وعلى الفور نادى صديقيه زاتيك وخورين، الذين حاصروا الأتراك وصرخ والدي باللغة التركية القوا أسلحتكم واستسلموا. لم يكن لدى المسلحين أي بدائل، خرجوا وأيديهم مرفوعة، اقترب منهم خورين وأخذ أسلحتهم ووضعهم على جنب، وربط كريستابور أيديهم، وأما القائد حسن باشايان فقد أمر بأخذ الأسرى للاستجواب.

رأى القائد باشايان ملابس الجندي خاتشيك المُلطخة بالدماء، ودعا على الفور رجال الإنقاذ الذين جاءوا وبدأوا في تضميد الجرح، وقال الطبيب أنه يجب نقله إلى المستشفى، ولكن خاتشيك لم يوافق وقال لـ باشايان: “لقد جئت لأموت، وليس لأعود”. نظر إليه القائد ثم اقترب منه وقبّله، وفي تلك اللحظة اقترب كريستابور من خاتشيك وقال: “لقد سميتُكَ… كافروش… كافروش”، ومنذ ذلك الحين كان الجميع يدعون خاتشيك بـ كافروش.

كان العدو قد تراجع خائفاً ولم يكن هناك صوت. ركب الشجعان الأرمن الخيول وتقدموا إلى الأمام، ووصلوا إلى النقطة المحددة مسبقاً، شجرة الدلب (سوسيه)، حيث كانت جثث العدو والأسلحة والذخائر مبعثرة على الثلج. وعندها قام الأبطال الفخورون بانتصارهم بجمع الأسلحة وأخذها إلى المخيم.

في 28 أيار مايو عام 1918، عندما كان الجميع سعداء بإعلان أن أرمينيا أصبحت دولة مستقلة حرة، اهتزت السماء والأرض بهتافات المحاربين. فبعد تدمير مدينة آني، عاش الأرمن حياة مأساوية، لكن عندما حمل الفدائي السلاح ونادى بالموت أو الحرية، بكى العدو. وبمعركة ساردارابات، أجبر الأتراك على الهرب، تاركين وراءهم عشرات الجثث وأنواع مختلفة من الأسلحة والمدافع والذخيرة. رُفع العلم الأرمني تحت سماء جمهورية أرمينيا الحرة، وأصبح الفدائي الأرمني جندياً في الجيش الأرمني وأطاح بالبرنامج التدميري للإمبراطورية العثمانية.

انتهت الحرب، ومن فرحته نسي كافروش جرحه، لكن عندما رأى الأطباء القادمين من يريفان جرح كافروش، قرروا نقله إلى مستشفى يريفان، عرف قائد الفريق حسن باشايان مدى خطورة الوضع، وأخبر صديقه زاتيك أن يذهب مع كافروش ويعتني به.

عندما وصل الأبطال إلى يريفان، رأوا جميع الحارات والبيوت والأسواق والمحلات التجارية في يريفان تحتفل بالانتصار، وقد كان الناس يغنون ويرقصون بفرح، يشربون ويهنئون بعضهم البعض، وكانت الأغاني الوطنية تُسمع في كل مكان. وبوصول الأبطال استمر الاحتفال حتى الصباح.

وفي الصباح، وصلوا إلى المستشفى، وبعد ذلك بوقت قصير وصل القائد باشايان، الذي كان يتابع بدقة حالة صحة الجندي. وقد زار كافروش، كمقاتل مصاب، عدد من الزائرين، وكان أحدهم هوفانيس كريستابور باغرامان، الذي تمنى له الشفاء بابتسامة وقبّل جبينه قائلاً: “يجب أن ننهي العمل الذي بدأناه ويجب أن نحرر بقية أراضينا المقدسة”.

وبعد بضعة أيام، عندما استقر الوضع الصحي للجندي، سمح له الطبيب المسؤول بمغادرة المستشفى بشكل مؤقت. وعندها أعطى القائد والرفاق لـ كافروش الزي العسكري للجيش الأرمني، وتوجهوا جميعاً إلى مركز القادة في يريفان حيث كان سيليكيان، نازاربيكيان وأرام مانوكيان.

كان مزاج كافروش مرتفعاً للغاية، ولكن صحته كانت سيئة، وكان عليه العودة إلى المستشفى، وعندما فحصه الطبيب قال إن الجرح قد التهب، ويجب بتر ذراعه الأيسر.

خرج كافروش من عند الطبيب وهو حزين. تبعه زاتيك وذهب كلاهما إلى منزل عائلة زاتيك، وشرح زاتيك لوالدته الوضع المؤلم. وقالت الوالدة: “لا تقلق، سيُصبح في حالة جيدة”. وبعد تناول وجبة الغداء، قامت الوالدة بمداواة الجرح بالوسائل الشعبية، وبذلت كل ما في وسعها لشفاء الجندي الذي كان يعاني من آلام رهيبة.

عاد كافروش بعد فترة إلى الجيش، حيث دعاه آرام مانوكيان وأعلن أنه تم تعيينه ليخدم كحارس شخصي لـ مانوكيان، الذي حصل على منصب وزير الشؤون الداخلية. وبعد مرور عامين، في 14 تشرين الأول أكتوبر في عام 1920، قررت قيادة روسيا السوفيتية بضم أرمينيا لها.

وفي عام 1921، بدأ كافروش مع أصدقائه رحلته إلى إيران ثم العراق وبعدها دير الزور، وعندما وصل إلى حلب تلقى كافروش التعليمات للذهاب إلى دمشق، وبعد رحلة دامت عشرة أيام وصل إلى دمشق. بعد وقت قليل، ذهب إلى لبنان للعمل وتعرف في مدينة زحلة إلى برانسيم، المولودة في كارين – أرضروم في عام 1905، وقد كانت ابنة كارو الذي كان يخدم في فريق أنترانيك، وبعد استشهاد عائلتها خلال الإبادة الجماعية الأرمنية مكثت في دار الأيتام. وتزوج كافروش بـ برانسيم وعادا معاً إلى دمشق حيث استقرا هناك و بدآ حياتهما الجديدة. وأصبح كافروش مشرفاً في الجيش السوري.

تاريخ كافروش الثمين هو فخر ابنه أنترانيك، فقد أصبح الروح المُحب للوطن المزروع فيه كخبز يومي، وهو الدليل على مبادئ حياته اللائقة. يقول أنترانيك قزانجيان: “اليوم، أنحني أمام ذكرى الجندي الأرمني، وأُصلي من أجل جنود الجيش الأرمني الحالي ليلاً ونهاراً أن يكون يسوع المسيح معهم، لكي يحافظوا على الأرض الأرمنية دائماً منتصرة”.
بقلم مانيا انترانيك كيشيشيان

المصدر: إذاعة أرمينيا العامة
ترجمة: ماري انترانيك كافروش قزانجيان،
الملحق العربي لصحيفة آزتاك الأرمنية الصادرة في بيروت

scroll to top