17900.jpg

باشينيان في جورجيا.. بقلم: آرا سوفاليان

باشينيان في جورجيا.. بقلم: آرا سوفاليان

من؟ من الأرمن سمع بالاتحاد الأوراسي؟ الجواب.. الاتحاد الاوراسي هو وحدة ضعيفة مهلهلة بين ثلاثة دول هي ارمينيا وجورجيا وأذربيجان لمواجهة أطماع تركيا في التوسع لفتح معبر يصلها بالجمهوريات السوفياتية التي تنحدر من أصل تركي.

إن تحقيق هذا الحلم يستوجب إزاحة او القضاء على جمهورية ارمينيا الحرة 1918-1920

وكان الارمن يعرفون ان واحدة من شيم الروس البيع بالرخيص فلقد وصلت جيوش القيصر وبالتعاون مع ارمن روسيا وليس ارمن تركيا وصلت الى فان المدمرة والحروقة وجثث المقاومين الارمن فيها متكومة الى مستويات اعلى من المتاريس بحيث لم يبق فيها أرمن فلقد ماتوا جميعاً…وصلت الحيوش الروسية الى فان وتحررت مناطق واسعة كان من المفترض ضمّها الى ارمينيا لولا الروس الذين باعوا بالرخيص…باعوا دماء الارمن الروس الذين شاركوا بكل معارك التحرير مع الجيش القيصري وباعوا دماء ارمن فان وارمن الاقضية السبعة وانسحبوا الى الاراضي الروسية…كانت صفقة وقبضوا ثمنها وتوالت الصفقات وقبضوا أكثر الى ان تفتحت قريحتهم على بيع الارمن سمك في الماء فلقد تركوا ارمن ارمينيا لوحدهم أمام اتاتورك الذي كان ينوي احتلال كل ارمينيا وتسوية كل مدنها بالارض على ان تكون يريفان في اول القائمة.

وأوهم الروس الارمن بأنهم سيقدمون الحلّ ويمنحون الارمن النصر ويقدموه على طبق من ذهب في ما يعرف بالاتحاد الاوراسي وهو مسعى سوفياتي فاشل يصل الى مستويات غير مسبوقة.

انشؤوا وحدة بين ارمينيا واذربيجان وجورجيا تتضمن اتفاقية دفاع مشترك وباعوا الارمن سمكاً في الماء…وهدأت مخاوف اتاتورك وايقن انه سيقبض لأنه دفع للحلفاء وتيقن ان روسيا صارت خارج السرب…فزحف الاتراك على ارمينيا…فتحرك جيش اذربيجاني مهلهل لمساعدة الارمن وتنفيذ بنود اتفاقية الدفاع المشترك وكان عبارة عن كتائب رمزية مهلهلة لم تصل الى الجبهة نهائياً فلقد تقدمت هذه الكتائب الى حدود مؤخرة الجبهة واستدارت راجعة الى اذربيجان دون ان تشترك في اطلاق طلقة واحدة على الاتراك، وتحركت قوات اخرى من جورجيا لمساعدة الارمن من جهة الشمال واجتازت الحدود ولكنها كالقوات الاذربيجانية وضمن اوامر مسبقة لم تصل الى الجبهة ابداً واستدارت عائدة الى جورجيا…وفهم الارمن اللعبة وكانت معركة حياة او موت واشتبكوا مع الاتراك اشتباكات مروعة لا تؤيدها ابسط قواعد الالتحام بين الجيوش فوصلت النسبة مقاتل ارمني ضد عشرون وانتصر الارمن على الاتراك ووصل السوفيات بعد ان خبت نار المعارك فأحتلوا الجزء اليسير مما استطاع الارمن تحريره وهو 30 الف كم مربع وسمّوه جمهورية ارمينيا السوفياتية وضمّوه الى الاتحاد السوفياتي وانتهت الحفلة.

وهذا عهد الروس وهذه القصة تذكرني بقصة بيع آلاسكا الى أميركا… فعقب هزيمة الإمبراطورية الروسية في حرب القرم والتي واجهت خلالها تحالفا يتألف من بريطانيا وفرنسا والإمبراطورية العثمانية ومملكة سردينيا بين عامي (1853 – 1856)، بدأت الولايات المتحدة مساع لشراء الأراضي الروسية في أمريكا الشمالية.

وفي 30 مارس من عام 1867 تم التوقيع على اتفاقية لبيع ألاسكا وجزر “ألوشيان” للولايات المتحدة مقابل 7 ملايين و200 ألف دولار ذهبي.

وباع الروس آلاسكا ليكتشفوا أن ما قبضوه ثمناً لما يعرف بالولاية الواحدة والخمسون لا يقابل واحد على مئة مليار من القيمة الحقيقية لآلاسكا التي تحوي الآلاف من مناجم الذهب والنحاس والقصدير واليورانيوم والتي تحتوي على الغاز والنفط الاستراتيجيين للولايات المتحدة الاميركية بالكامل والتي تنص القوانين المرعية على عدم تحريكهما إلا بعد استنفاذ هاتين المادتين من كل كوكب الأرض.
هذا آخر عهدنا بالجيورجيين الذين صاروا مسيحيين على يد الارمن والذين حظيوا بالتعاطف والمحبة عندما كانت كل القيادات في الاتحاد السوفياتي من الارمن بدءاً بالرئيس الاعلى لعموم جمهوريات الاتحاد السوفياتي وانتهاءاً بالشرطي الجالس في كولبة الحراسة كحارس.

احببناهم لأن لغتينا متقاربتين بالموسيقى والغنّة فالارمني الذي يستمع الى جيورجيين يتحدثان بالجيورجية يظن في بادئ الامر انهما أرمن وعندما يقترب منهما تظل نغمة وانسيابية الحروف تؤكد أنهم ارمن ليدرك فوراً انهم جيورجيين لأنه لا يفهم من حديثهم شيئاً.

في زمن الاتحاد السوفياتي السابق كانت الافضلية لهم في كل شيء ولم نكن نشعر إلاّ بأنهم مثلنا ومنّا وكنا نحبهم. طقوس الصلاة والقداديس لديهم تماثل الطقوس والصلاة الأرمنية والاختلاف الوحيد هو اللغة…في الازمات كانت هناك شاحنات تخرج من أرمينيا محملة بالاغذية والمؤن وتصل الى تيبليسي وتعود خالية على عرائشها وخاصة في الحرب العالمية الثانية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وضعت اذربيجان سكين في ظهر ارمينيا وكادت ان تفعل جورجيا نفس الفعل على الرغم من وجود اعداد هائلة من الارمن في كلا الدولتين بسبب التمازج الاقليمي والقسري بين شعوب الاتحاد السوفياتي السابق، هناك في جورجيا اعداد هائلة من الارمن بنوا كنائسهم هناك وبنوا مدارسهم وخرّجوا الشعراء والسياسيين والاطباء والمهندسين والضباط وكانوا ولا يزالون يعتبرون انفسهم اصحاب الارض واصلاء، وهناك مقابر للأرمن تعود الى مئات السنين وهناك مقابر حديثة نسبياً تعود الى مئتي عام تحوي عظام عظماء الارمن كالشاعر والمغني المعروف سيات نوفا الذي لا يتنازل الارمن عن لقبه كونه بالنسبة لهم ملك الشعراء والمغنين الارمن، وينازعهم الجيورجيين في هذا اللقب فيطلقون عليه لقب ملك الشعراء والمغنين الجورجين…وغيره الكثيرون.

لم يسبق لي في مرة من المرات عندما كنت ولا زلت اضع خارطة ارمينيا نصب عيناي إلا وكان الكأس في يدي وذهني يرتحل بين تلك الجبال والسهول والبحيرات والانهار وأقول في سرّي…يا أولاد الحرام لم تتركوا لأرمينا متر واحد كمنفذ بحري بعد ان كان لها منفذ على البحر الاسود يعادل الحدود الشمالية لكل الاقضية السبع المحتلة.

بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وضعت اذربيجان خنجراً في ظهر ارمينيا وكادت جورجيا ان تفعل لولا الحياء ولكن وبخطوات الثعالب قررت جورجيا الغدر بارمينيا بعد ان فتحت لها تركيا قنّ الدجاج.

وباشينيان اليوم في جورجيا… وبعد زيارته لمعبد خوجيفانك حيث وضع الزهور على ضريح هوفهانيس تومانيان، توجه باشينيان إلى كنيسة القديس كيفورك في العاصمة تبليسي حيث استقبله المطران فازكين ميرزاخانيان، رئيس أبرشية جورجيا للكنيسة الرسولية الأرمينية، والعديد من ممثلي المجتمع الأرمني.

وضع نيكول باشينيان الزهور على قبر سيات نوفا وأشعل الشموع في حين قدم المطران فازكين ميرزاخانيان صلاة الثناء والشكر لشجاعة رئيس الوزراء باشينيان.

شكر باشينيان الارمن الجيورجيين وقال لهم: إن انتصار ارادة الشعب في يريفان هو انتصار لكم أيضاً لأنه حدث في وطنكم الأم
لقد شعرنا بدعمكم في يريفان وقد وصلت تمنياتكم الطيبة إلى ميدان الجمهورية في يريفان، والحماس الذي سيطر على الشعب الأرميني قد تم تأسيسه بفضل كل فرد منكم.

وقد أتيت اليوم إلى هنا برسالة حب وتضامن، أريد أن أخبركم جميعاً بأنني أحبكم فردا فردا.

أنا فخور بكم، وفخور بإرادتكم، وأيضا فخور برؤية العلاقة الطيبة بين أرمينيا وجورجيا، أن العلاقات بين بلدينا سوف تنمو بشكل أعمق وأقوى، وسوف يشعر الأرمن بتحسن في جورجيا والجورجيين كذلك في أرمينيا.

إن أسمى القيم التي يملكها الشعبان الأرمني والجورجي هما الدولة والإستقلال وبالتأكيد سندافع عنهما وعن حق شعبينا في أن نكون سعداء. لا يمكن أن تكون هناك خيبة أمل بعد اليوم لأننا كما ذكرت سابقا فقد خدمنا ونخدم وسنواصل خدمة أبناء شعبنا ريثما يتمكن هذا الشعب من الوقوف بحزم مرة أخرى وتحقيق الانتصارات الجديدة.

الشعب الأرمني لن يهزم أبداً، فنحن شعب الإنتصارات، شعب الفخر، وشعب الله. ولتحيا الحرية ولتحيا جورجيا ولتحيا جمهورية أرمينيا ولتحيا الأخوة الأرمنية الجورجية.”

باشينيان في جورجيا إذاً وهذا ما توقعته ولكن ليس بهذه السرعة…خارطة ارمينيا أمامي والكأس في يدي، والمنفذ البحري متحقق وعودة جورجيا الى ارمينيا متحققة بفضل رئيس لا يهمه الجلوس وعدّ المكاسب ونشر المافيات في البلد وتهريب السرقات الى الخارج…في حين تبيع روسيا السلاح الى أذربيجان…كنت مؤيداً لهذا الرجل منذ بداية حركته الشعبية وزاد ايماني به بعد ان كسر الجلاوزة يده وفرشوا جسده ببقع الدم المتخثرة واحدثوا فيه بعض الثقوب بعد إطفاء سجائرهم المتوقدة في جسده…إن شعب فيه من أمثال باشينيان لن يموت.

آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
01/06/2018
[email protected]

scroll to top