14969.jpg

مدرسة التصوير في دير الأرمن بالقدس.. نواة انتشار التصوير في المنطقة

مدرسة التصوير في دير الأرمن بالقدس.. نواة انتشار التصوير في المنطقة

في مؤسسة المعمل للفن المعاصر في البلدة القديمة بمدينة القدس، وعلى بُعد أمتار قليلة من دير الارمن، المكان الذي احتضن اول مدرسة تصوير فوتوغرافي في فلسطين انشئت على يد البطريرك الارمني يساي غرابديان في العام ١٨٥٧، قدم جوزيف مالكيان، مدير مشروع صور الشرق الاوسط وأرمينيا، محاضرة تناول فيها اوائل المصورين واستوديوهات التصوير في فلسطين ومنطقة الشرق الاوسط. وناقشت المحاضرة موضوعا أوسعا شمل دور الأرمن في فن التصوير الفوتوغرافي في الامبراطورية العثمانية في القرني التاسع عشر والعشرين وأثرهم على تطور هذا الفن.

للمرة الاولى يزور مالكيان، الذي تنحدر عائلته من جذور أرمنية حيفاوية، فلسطين لاستكمال اجزاء من بحثه حول الموضوع ذاته. فقد جاب المنطقة من مصر الى الاردن ولبنان وتركيا باحثا في أثر المصورين الارمن المعروفين الذين وصل صيتهم العالم، ومفتشا عن اوائل استوديوهات التصوير التي ازدهرت في عهد الامبراطورية العثمانية في القسطنطينية والقاهرة والقدس.

واستعرض مالكيان صور تنتمي الى ارشيف صوري نادر جمعه خلال السنوات العشرة الماضية، بدأت نواته عندما استهل بحث أجراه لكتاب انجزه في عام ٢٠١١ حول التصوير الفوتوغرافي في الشرق الاوسط. وكان اطلاعه على الاف الصور من مجموعتي بيير ديغورد العثمانية ومجموعة جاكبسون الشرق اوسطية الفوتوغرافيتان التابعتان لـ مؤسسة جيتي للابحاث في لوس انجلوس، طرف الخيط الذي قاده للتوصل الى بعض الاكتشافات. “تفاجأت بأن معظم الصور الفوتوغرافية التي تنتمي لهاتين المجموعتين قام بالتقاطها مصورين أرمن، ومن هنا قررت أن أبحث عن الاسباب التي ادت الى امتهان الارمن في المنطقة للتصوير الفوتوغرافي والاثر الذي تركوه على هذه الحرفة”، يقول مالكيان.

الأرمن لعبوا دورا رياديا في انتشار وتطور التصوير الفوتوغرافي

ويشير إلى أن الأرمن لعبوا دورا رياديا في انتشار وتطور التصوير الفوتوغرافي خلال حكم الامبراطورية العثمانية، فقد كانوا ثاني أكبر اقليلة اثنية (بعد اليونانيين) وكانوا على علاقة وطيدة مع البعثات التبشيرية في الغرب مما ادى الى اطلاعهم على اخر التطورات التكنولوجيا اولا بأول بما فيها التصوير. كونهم مسيحيين لم يمكنهم من الالتحاق في الوظائف الحكومية والعسكرية التي خصصت للمسلمين فقط في الامبراطورية العثمانية، ولكن ذلك ساهم في توجههم الى التجارة والحرف اليدوية والصناعات ومنها صناعات الادوية والكيميائيات والتي ساهمت في اكسابهم مهارات اساسية في فن التصوير الفوتوغرافي مثل اتقان اساليب التظهير الكيميائية والطباعة التي كانت جزءا لا يتجزأ من عملية التصوير أنذاك.

السلاطين العثمانيين أبدوا اهتماما خاصا بالتصوير الفوتوغرافي

بالرغم من سيادة المعتقدات الدينية المحافظة التي رفضت التمثيل الفوتوغرافي للجسد الانساني في تلك الفترة، الا أن السلاطين العثمانيين أبدوا اهتماما خاصا بالتصوير الفوتوغرافي واستخدموه للتوثيق ولعكس صورة حديثة عن الامبراطورية العثمانية للغرب يقول مالكيان. وبذلك تحولت الصور الفوتوغرافية الى وسيلة لتغيير الصورة السلبية للامبراطورية العثمانية في اوروبا وامريكا. وضمن هذا التوجه يؤكد مالكيان بأن السلطان عبد الحميد الثاني كلف مجموعة من المصورين الفوتوغرافيين معظمهم من الارمن توثيق القسطنطينية التي كانت مدينة حديثة تعج بالحياة والسياح ومقرا لموظفين الحكومة البارزين، يتباهى بها العثمانيين أمام الغرب. كما تم تكليفهم انتاج البومات كانت تهدى الى الزوار والوفود الرسمية.

وفي الفترة التي صادفت اختراع التصوير وانتشاره، ازداد اهتمام المستشرقين بمنطقة الشرق الاوسط وتركيا، كما ازداد عدد الحجاج والسياح المتدفقين الى المنطقة كما لم يكن من قبل. وخلال زياراتهم هذه كانوا يشترون صورا تذكارية للاماكن التاريخية والدينية وتلك التي تظهر الشرق كما يتصورونه في مخيلاتهم، بمشاهده الطبيعية ومعماره وأهله البسطاء الذين يرتدون ازياء تقليدية. المصورون الارمن كانوا سباقين في تلبية احتياجات السوق لمثل هذه الصور التجارية والتي شكلت بالنسبة لهم مصدر دخل هام.

تأثير الأرمن في التاريخ الفوتوغرافي في الشرق الأوسط

ويقسم مالكيان تأثير الأرمن في التاريخ الفوتوغرافي في الشرق الاوسط الى مرحلتين، الاولى تغطي الفترة المبكرة لظهور التصوير ما بين عام ١٨٥٠ و١٩١٥، حيث برز واشتهر مصورون أرمن مثل الاخوة عبدالله، وهم اول من انشئوا استوديو تصوير في القسطنطينية وربطتهم علاقة وطيدة مع السلطان عبد العزيز الذي كلفهم بتوثيق جوانب مختلفة من الحياة في الامبراطورية العثمانية، ومن ثم انشأوا استوديو تصوير في القاهرة بطلب من الخديوي. المصورون الاخرون مثل باسكال صباح، وجابرييل لاكيجيان تميزت صورهم بكونها بورتريهات فوتوغرافية تمثل الحياة في القسطنطينة حيث تمركزت استوديوهاتهم. أما المرحلة الثانية فقد بدأت بعد مذبحة الارمن في العام ١٩١٥، عندما وجد الناجون من المذبحة الذين استقروا في الشرق الاوسط دعما من الجاليات الارمنية المستقرة هناك من قبل والذين امتهن كثير منهم التصوير كعمل وفر لهم دخلا ثابتا ومضمونا. فأقبلوا على امتهان التصوير مما أدى الى ازدياد عدد استوديوهات التصوير بشكل كبير وخاصة في مصر وانتشارها في الاردن ولبنان وسوريا.

اول مدرسة تصوير فوتوغرافي في القدس

وسلط مالكيان الضوء على دور البطريك اساي غرابديان تحديدا والذي انشىء اول مدرسة تصوير فوتوغرافي في كاتدرائية سان جيمس للارمن في القدس في عام ١٨٥٧، وكان لهذه المدرسة أثر كبير في تخريج عدد من المصورين الذين ساهموا في تطوير فن التصوير الفوتوغرافي في فلسطين وفي منطقة الشرق الاوسط في القرن التاسع عشر. حيث انشىء تلامذته استوديوهات تصوير في اماكن مختلفة في فلسطين وفي لبنان وغيرها، ومن أشهرهم غرابيد كريكوريان الذي انشىء استوديو تصوير في شارع يافا في القدس وانتشرت صوره بين السياح والحجاج قبل ان يصبح في العام ١٨٩٨ المصور الرسمي للقيصر ويلهم الثاني خلال زيارته للاراضي المقدسة. جاء ابن كريكوريان من بعده، واستمر الاستوديو في العمل حتى العام ١٩٤٨ حيث فُقِدَ الاستوديو ونهبت صوره. تتلمذ المصور خليل رعد (لبناني الأصل) على يد غرابيد كريكوريان.

٦٠ استوديو لمصورين أرمن في مصر

بحث مالكيان قاده أيضا الى اكتشاف حوالي ٦٠ استوديو لمصورين أرمن في مصر، اما في الاردن فقد اكتشف أربعة اجيال من المصورين الارمن منذ عام ١٩٢٠، ويبدو انهم اول من انشىء استوديوهات تصوير هناك. ويعتبر زوهراب ماركيان أشهرهم كونه عمل مصورا للملك حسين حتى وفاته عام ١٩٩٩.

نقلا عن: زمن برس
الصورة المرفقة : سياح أمام قبة الصخرة في القدس، 1900. تصوير كارابيد كريكوريان

 

scroll to top