14399.jpg

الأرمن السوريون والدور التاريخي من الإستقلال إلى الحرب.. بقلم: وسام عبد الله

الأرمن السوريون والدور التاريخي من الإستقلال إلى الحرب.. بقلم: وسام عبد الله

تأخذك الموسيقى الأرمنية في حالِ مدٍ وجزر، هي تعود بك إلى عمق التاريخ في الدور الحضاري والمذابح والبقاء، لترجعك إلى الزمن الحالي في استمرارية للثقافة والهوية التي تم المحافظة عليها كأرشيف جماعي. وكما لموسيقى “رقصة السيوف – sabre dance” أثرها في الموسيقى العالمية في تعبيرها عن حالة المد والجزر، كذلك يعتبر الأرمن السوريون كأنهم جزء من هذه المقطوعة، لدورهم في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية في سورية منذ بداية القرن العشرين حتى يومنا هذا.

دور الأرمن في المجتمع السوري

في كتاب “أرمن دمشق” يشير الدكتور سركيس بورنزسيان إلى أن أوّل علاقة بين دمشق والأرمن كانت في معاهدة 652 ميلادي عندما زار الأمير الارمني تيودور رشدوني سوريا ووقع معاهدة مع الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان بعد الانتصار المشترك ضد امبراطور بيزنطة. وتشير عضو مجلس الشعب السوري النائب نورا أريسيان لموقع “اليوم الثالث” إلى الدور التاريخي للأرمن في سورية، فتقول “إن وجود الأرمن تاريخياً في سورية يعود الى القرون الوسطى، لكن عمليات الإبادة التي جرت بحق الأرمن فترة الإمبراطورية العثمانية هجّرتهم قسرياً من أرمينيا باتجاه سورية، وجعلت أعداداً كبيرة منهم يستقرّون في المدن السورية، ويمارسون حياتهم كمواطنين سوريين، ويسهمون في المجتمع السوري في عدة مجالات، أبرزها مجال المهن والحرف اليدوية، والطب والتجارة والصناعة والثقافة من مسرحٍ وموسيقى وغيرها. بالإضافة إلى الإسهام في المجال العسكري، وكذلك هناك شخصيات أرمنية ساهمت في الحياة البرلمانية والوزارية”. وقد بدأ الدخول في الحياة السياسية منذ بداية الاستقلال مثل النائب فريد أرسلانيان سنة 1947 عن دمشق والنائب لويس هندية في ذات الدورة عن حلب.

شكَّل الأرمن جزءاً من الدورة الاقتصادية في البلاد، وخاصة في الحرف والمهن اليدوية، كما أدخلوا مهناً جديدة وأدوات لأول مرة مثل التصوير الضوئي سنة 1880. وعلى المستوى الثقافي نقل الارمن معهم الموسيقى والفن الأرمنيين ليصبحا جزءاً من الثقافة السورية، وأصبح لهم دورٌ في الحياة الموسيقية مثل قائد الأوركسترا الوطنية السورية ميساك بغبودريان.

الأرمن في الحرب: الدفاع عن الوجود والدولة

خلال السنوات السبعة السابقة من عمر الأزمة في سورية، تأثر وأثَّر الأرمن كغيرهم في المجتمع السوري. تؤكد الدكتورة أريسيان أن الارمن مكون حاضر في سورية في كل المراحل التاريخية التي مرت بها سورية ووقف دائماً للدفاع عن بلده، وتضيف: “تجلى ذلك حين تعرضت سورية للحرب في السنوات الماضية، من خلال أداء خدمة العلم بالإضافة الى لجان الدفاع الوطني خاصة تلك المتواجدة قرب الكنائس الأرمنية والمؤسسات الثقافية التي لم تغلق أبوابها أبداً طيلة فترة الحرب، بل كانت الفسحة الوحيدة للإصرار على الصمود واستمرار الحياة في سورية، من دون أن ننسى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من المحافظات كافة خلال سنوات الحرب. ومن الناحية الاقتصادية تضرَّر أصحاب المعامل والمنشآت الاقتصادية والصناعية وبقوا في سورية يحاولون اليوم إعادة الحياة لهذا القطاع”. وخلال الانتخابات النيابية لمجلس الشعب السوري في الدور التشريعي الثاني في نيسان 2016 انتُخب ممثل عن الأرمن من حلب، وكذلك من دمشق.

وعن شبح الهجرة تشير إلى عدم وجد أرقام دقيقة، فقد تجاوز عدد الأرمن في سورية قبل الحرب حوالي 80 ألفاً، لكن مع اشتداد الأزمة وظروف الحرب، اضطر الأرمن الذين تضررت منازلهم ومعاملهم خاصة في حلب الى مغادرة سورية، والتوجه الى لبنان وأرمينيا وعدد من الدول الأوروبية، وكندا مؤخراً. وحسب معطيات تفيد بها وزارة الشتات في جمهورية أرمينيا فإن السوريين الأرمن الموجودين حالياً في أرمينيا يتجاوز عددهم الـ 10 آلاف، وهناك حوالي 10 آلاف في لبنان. ويمكن القول إن نصف العدد قبل الحرب هاجر من سورية، مع الأخذ بعين الاعتبار الهجرة الداخلية التي حصلت بين المدن السورية، وكذلك عودة بعض العائلات في الأشهر الماضية.

لا تدِر ظهرك لتركي

يقارب الأرمن التدخل التركي في الحرب على ضوء تجربتهم التاريخية. فتعبر الدكتورة أريسيان عن التجربة قائلة “هناك مثل أرمني شائع يقول “لا تعطي ظهرك لتركي”، في إشارة الى ان الأرمن الذين عانوا من سياسة الإبادة والاضطهاد والتصفية على يد الأتراك وعلى مدى عقود طويلة وبأشكال مختلفة، يعرفون جيداً عمق السياسة التركية في المنطقة ومآربهم. وقالت إن هناك شريحة من الأتراك تساند القضية الأرمنية، لكن هذا لا يمنع أن سياسة الدولة التركية عبر حكوماتها المتعاقبة كانت وما زالت تمارس السياسة ذاتها بالعقلية ذاتها تجاه القضايا التي تخص الأرمن والأكراد وسورية والمنطقة بشكل عام”.

الإستفادة من التجربة الارمنية

على رغم المجازر التي ارتكبت ضد الارمن حافظوا على هويتهم وثقافتهم، عن أهمية نقل هذه التجربة إلى الحالة السورية وخاصة لمن هاجر خارج البلاد، تعتبر النائب أريسيان أن الموضوع يأخذنا إلى إدراك أهمية الأرشفة وتداولها. فالحفاظ على الثقافة وبالتالي الهوية يتطلب ممارسة اللغة والتراث والحفاظ عليها. وهذا ما قام به الأرمن في سوريا، وغيرها من بلاد الشتات.

وتشدد أريسيان على أن “هناك عوامل عدة ساعدت على الحفاظ على التراث والثقافة الأرمنية في سوريا؛ أهمها الدستور السوري الذي كفل حماية التنوع الثقافي للمجتمع السوري بجميع مكوناته وتعدد روافده. بالإضافة الى المدارس حيث يتم تدريس اللغة الأرمنية، والكنائس حيث تجري ممارسة الشعائر الكنسية، بالإضافة الى الجمعيات التي تنمي الطاقات البشرية في مجال الرياضة والثقافة والتراث المادي وغيرها. وتراث سورية غني لاسيما في المجال الثقافي ولابد من الحفاظ عليه من التشويه أو الاندثار. كما تعتقد أن الذاكرة الجماعية لدى الشعب الأرمني هي التي أنقذتهم من الذوبان، ولذلك لابد من إيلاء موضوع الحفاظ على التراث أهمية كبيرة وبشكل علمي.

بقلم: وسام عبد الله،
صحافي سوري مقيم في دمشق

scroll to top