آرا ماليكيان: الحكاية العجيبة للكمان الأرمني

وُلد ذلك الكمانُ في مدينة مُودينا الإيطالية قبل أكثر من ثلاثمائة عام، وسافر طويلاً إلى أن وصل إلى لبنان واستقرّ بين يدي الصغير، آرا، ذي الثلاثة أعوام، الذي علّمه والدُه العزفَ عليه. هكذا تبدأ “حكاية الكمان التي لا تُصدّق”، الألبوم الجديد لعازف الكمان، الأرمني اللبناني، آرا ماليكيان (بيروت، 1968).

في حفل أقامه في مدريد أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، روى ماليكيان للجمهور جزءاً من حكايته: “عندما ذهبت إلى ألمانيا فتىً في عمر الخامسة عشرة، وجدتُ نفسي أختلق حكاية عن كماني كي أُضفي شيئاً من السحر عليه، وأُبهر زملائي في المعهد، فهُم امتلكوا آلات من أنواع باهظة الثمن مثل غوارنيري وستراديفاري الإيطالية، في حين لم يكن لآلتي اسمٌ أو حتى مكانُ تصنيعٍ أو تاريخ”.

ويكمل “لفّقتُ لكماني اسماً وحكاية خيالية، وجدتُني أصدّقها أنا نفسي في ما بعد. اخترعتُ في إحدى الحكايات، حسب ما أذكر، أن كماني صُنع في رومانيا، وكان صاحبه الأوّل غجرياً، رفيقاً لدراكولا، رجلاً غريب الأطوار، خبيثاً بعض الشيء..”، وهكذا فإن إحدى المقطوعات في “حكاية الكمان التي لا تُصدّق”، تُذكّر بإيقاعات هنغارية ورومانية غجرية.

في هذا الألبوم إذاً يصطحبنا ماليكيان، عبر موسيقى مفعمة بالحيوية وذات طابع متفرّد يخصّ، في كل مقطوعة، ثقافةً أو أسلوباً ما، إلى أماكن وبلدان حلّ بها كمانُ جدّه في ذاكرته المتخيلة، أثناء تلك السنوات أيام دراسته في هانوفر بألمانيا. جولة تُحاك فيها “قصصٌ مثيرة” ترويها موسيقى الكمان والإيقاعات الميلودية الغنية والمشغولة بموهبة لافتة.

في مقابلة أجراها معه ملحق “إل كولتورال” الثقافي، قال ماليكيان: “عندما كنت صغيراً، كان أبي يقول لي إن الكمان مثل فانوس عليك أن تفركه وتفركه حتى يظهر لك المارد ويحقّق رغباتك. هكذا، فالكمان هو فانوسي السحريّ”.

يذكر ماليكيان أنه مع الوقت أدرك أنْ لا خيالَ يقيناً يتجاوزُ ما مرّ به هذا الكمان. كان بين يديه التركِةُ الأثمن؛ لقد مكّنت تلك الآلةُ جدَّه من الفرار من أرمينيا، والنجاة، إثر التحاقه بإحدى فرق الأوركسترا؛ لم يحالف الحظّ بقية أفراد الأسرة وقضوا جميعاً في المجازر التي، حتى اليوم، لم تعترف بها الدولة التركية.

يجمع ماليكيان في أسطوانته الأخيرة، التي تضمّ 13 قطعة موسيقية، أنماطاً تمتدّ بين روك “لِد زِبلين” وكلاسيك “باخ”، وجميعها مقطوعات من تأليفه، تنتقل فيها الثيمات بخفّة من الجاز والروك والألحان الغجرية إلى التانغو الأرجنتيني والفلامينكو الإسباني.

يعيش ماليكيان في إسبانيا منذ 16 عاماً، وكان قد سجّل أسطوانته الأولى “الفصول الأربعة” لـ فيفالدي عام 1995، ليُلحقها بأخريات عزفَ فيها لمؤلّفين كلاسيكيين من باغانيني وشومان إلى ساراسات وآخرين. شارك عازفاً في الكثير من فرق الأوركسترا العالمية بقيادة أفضل الموسيقيين أمثال بيتر شنايدر وكريستوبال هالفير.

برشلونة – كاميران حاج محمود | نقلا عن العربي

scroll to top