13035.jpg

السلام السوري بين جنيف والأستانة.. بقلم: ليون زكي

السلام السوري بين جنيف والأستانة.. بقلم: ليون زكي

من المفترض أن تقود التشابكات والتفاهمات الإقليمية والدولية والمتغيرات الميدانية في الداخل السوري والتي حدثت بين جولتي جنيف 3و4 وانعقاد 3 اجتماعات مشاورات في مسار الأستانة إلى تأسيس انفراج سياسي قد يفضي إلى بناء خطوات الحل الأولى للأزمة السورية، فالمتغيرات والظروف الموضوعية التي سبقت ورافقت جنيف 4 هي الأساس في الحل وليس المقررات التي ستفرزها جولات المفاوضات التي هي تحصيل حاصل لما حدث وسيحدث على الأرض وفي الغرف المغلقة.

والحال أن رغبة الدول الفاعلة في الأزمة السورية في إيجاد مخرج لها شكلت بصيص أمل حقيقي هذه المرة في خلق أرضية مشتركة لدى الأطراف المتصارعة لوقف حلقات مسلسل الحرب مع دخولها منتصف الشهر الجاري عامها السابع الذي نرجو ونبتهل أن يكون نواة ونقطة انطلاق كي تضع الحرب أوزارها.

ولئن ساهم انكفاء الدور الأمريكي في الأشهر التي سبقت وتلت انتخاب الرئيس دولاند ترامب في استفراد روسيا بالحل وتهيئتها الظروف المناسبة لجمع الخصوم حول طاولة واحدة وإشراك الراعيين الإقليميين تركيا وإيران للمضي في سبيل الحصول على نتائج إيجابية مهد لها وقف إطلاق النار الصامد منذ 30 كانون الأول الماضي والذي يجري العمل بشكل مستمر على تثبيته وتوسيع نطاقه في الجولات المقبلة من أستانة 3 الجارية حالياً وقطف ثماره السياسية في جنيف 5 المتوقع انعقادها في 23 الجاري.

والواقع أن الدفع الفعال للتوصل إلى صيغة مثمرة يجري بموجبها الانتقال السياسي للأزمة من الصعب أن يتم من دون لعب واشنطن الدور المرتقب والضامن لتحقيقه في انتظار بلورة سياستها الخارجية في شكل نهائي لمرحلة ما بعد استعادة الرقة السورية من “داعش” والتي ترسم استعداداتها وتحالفاتها على قدم وساق بالتنسيق مع موسكو وتستبعد أنقرة على ما يبدو إلى الآن من المشاركة فيها لصالح “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) وربما بمساهمة الجيش السوري الذي يشكل دخوله على خط تحرير “عاصمة الخلافة” خلط لكل الأوراق على الساحة الإقليمية والدولية.

وقد شكلت معركة “توحيد” حلب، الفاصل الأهم في توجيه دفة الميدان والحل السوريين لمصلحة سياسة “الصفقات” التي ظهر منها إلى العلن ما أشيع على أنه اتفاق بين موسكو وأنقرة على تدخل الجيش التركي والفصائل المسلحة المحلية الموالية له داخل الأراضي السورية واحتلال مناطق سورية كانت تحت سيطرة “داعش” على الحدود التركية الجنوبية من جرابلس إلى الراعي وصولاً إلى العمق في مدينة الباب حيث رسمت خطوط الاشتباك الجديدة برعاية روسية أمريكية وتم وأد حلم الأكراد بوصل كانتوني عفرين بعين العرب الموصول بكانتون الجزيرة لتأسيس حكم ذاتي.

مقابل ذلك، استرد الجيش السوري الأحياء الشرقية من حلب كاملة في 22 كانون الأول من العام الماضي، الأمر الذي ترك تداعيات مزلزلة على المشهد السوري وتعداه إلى الساحة الإقليمية والدولية وفتح آفاق التسوية السياسية للأزمة على مصراعيها وأطاح بحلم السلطان التركي رجب طيب أردوغان بضم الشهباء عمق تركيا الاستراتيجي إلى إمبراطوريته العثمانية الموعودة، والقضاء على البقية الباقية من الشتات الأرمني.

ولم يتبق أمام أردوغان، الذي لا يمكن الوثوق به مطلقاً، جراء خسارته الاستراتيجية في حلب سوى التلويح بين الحين والآخر بسيمفونية تأسيس منطقة آمنة شمالها راح يستميل إليها الإدارة الأمريكية الجديدة ويحشد من أجلها مواقف دول الخليج دون تحقيق مراده ومن دون أن يتوقف عن سياسته التنكيلية بمعارضيه الأتراك ومناكفة الدول الأوربية مثل ألمانيا وهولندا لأسباب انتخابية داخلية بحتة بغية الفوز في الاستفتاء الشعبي لتحويل النظام من برلماني إلى رئاسي يضمن له البقاء في الحكم حتى عام 2029 بعد إقرار البرلمان مشروع التعديل الدستوري بموجب مقترح القانون الذي تقدم به حزب “العدالة والتنمية”.

المهم في التسوية المقبلة أن تضمن وحدة سورية أرضاً وشعباً وأن تترك للسوريين حرية اختيار نظام الحكم الذي تروج دوائر صنع القرار أنه سيكون فيدرالياً بموجب دستور يجري تعديل صياغة بنوده المقررة لأخذ رأي الأطراف المعنية به لإقراره أو طرحه على الاستفتاء الشعبي.

ومن الضروري أيضاً أن ينأى السوريون مستقبلاً وفي حال اتفاقهم على شكل وماهية الفترة الانتقالية عن تدخل الدول الفاعلة الراغبة بالوصاية على مناطق نفوذ ترتبط بها بشكل مباشر ووثيق يعطل ثمن الدماء التي هدرت على مساحة الجغرافية السورية طوال ست سنوات من الاقتتال الدامي لتحقيق مستقبل أفضل للشعب الذي ضحى وعانى بما لم يعانيه شعب آخر على مدار قرون، هذا إذا قرر السوريون اغتنام فرص التسوية والتفرع لإعادة الإعمار والتوقف عن الاحتراب والاستقواء بالخارج الأجنبي للاحتكام إلى الميدان مجددا بدل الاستعداد والتحضير لجولات مقبلة مفيدة ومجدية في جنيف والأستانة تضع الحل السلمي على سكته الصحيحة كي لا تصح نبوءة مهندس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف عندما قال أن البديل عن الاتفاق هو التقسيم.

scroll to top