15880.jpg

الأرمن يحتفلون بالميلاد: الإضطهاد زادنا إيمانا والتهجير تمسكا بالجذور

الأرمن يحتفلون بالميلاد: الإضطهاد زادنا إيمانا والتهجير تمسكا بالجذور

تحدّثك برج حمود بشوارعها ومعالمها عن حكاية شعب تجرّع الألم حتى بات مصدرَ قوّته، تحدّثك بزينتها وبضحكات الأطفال الراكضين في أزقّتها عن طائفة تشرّدت عنوةً من بلدها لتنتشر في كل بقاع العالم من دون أن تخون لغتها وتقاليدها، فكان لها عيدُ ميلاد بنكهة خاصة، عيدٌ كرّسته للتقرّب من الله، متناسيةً الهدايا والمظاهر البالية.

شوارعُها عهدت الزحمة، فهنا كل يوم يشكّل لها عيداً، أهلها يتكلّمون لغتهم عاكسين بذلك تمسّكهم ببلدهم رغم حبهم للبنان. محالهم التجارية مفتوحة على بعضها حيث لا تشكّل المنافسة هاجساً لهم فـ«نحن حال واحد» يردّد أحدهم.

تقاليد راسخة

ما يزال الأرمن يحافظون على التقاليد القديمة التي اتّبعها المسيحيون حتى العام 301 ميلادي تقريباً، ومنها الإحتفال بيوم الميلاد في 6 كانون الثاني الذي يصادف عيد الغطاس لدى بقية الطوائف المسيحية، والذي يعود اختياره لكونه معروفاً بعيد «الظهور الإلهي»، ويشمل عمادة يسوع، زيارة المجوس، وعرس قانا الجليل التي تشكّل أولى عجائب يسوع، والقاسم المشترَك بين هذه الأحداث هو تجلّي الله وإن بطرق مختلفة.

لكنّ غصّةً ترافق العيد هذا العام كما هو الحال في السنوات القليلة السابقة، وتحديداً منذ بدء أزمة النزوح السوري… «الوضع السنة أسوأ من سنة الماضية، وأكيد سنة الجايي أسوأ من السنة»، ينفخ أحد التجار سيجارته ويكمل لـ«الجمهورية»: «ينافسنا السوريون ويزاحموننا حتى في عزّ أعيادنا، فهم في كل مكان، في البيوت المؤجّرة، في المحلات، في سيارات التاكسي، في المطاعم… وهذا الوضع لا يُحتمل»، ويشير الى أنّ «الناس بغالبيهم باتوا يدخلون الى المحال ليتفرّجوا ليس أكثر».

إلّا أنّ البعض يرى دائماً النصف المليء من الكوب، وفي هذا السياق يقول أحد أصحاب المحال لـ«الجمهورية»: «كتّر خير الله الوضع كتير منيح، الحمد لله في عجقة، مش ضروري عطول نتشاءم».

للتوقيت أسباب

6 كانون الثاني، تاريخٌ لم يُختر عبثاً، ففي السّابق كان الجميع يحتفلون بعيد الميلاد في هذا التاريخ، إلّا أنّ البابا آنذاك اضطُر إلى تغيير يوم الإحتفال به لأنّ الشعب كان يمارس طقوساً وثنية وهدف البابا كان أن يُنسيَهم إياها.

وإذ يشكل الأرمن جزءاً لا يتجزّأ من التركيبة الدينية والعرقية التي تميّز المجتمع اللبناني، فهم يختلفون عن غيرهم من الطوائف بخصوصيّتهم التي يشكل التاريخ ركيزتَها الأساسية، إذ يظل بالنسبة لهم الوفاء لعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم مصدراً للعيش براحة ضمير على مَن استُشهدوا ليبقى هذا الإرث الحضاري والمعنوي، وقد سهّلت عليهم طبيعة الدستور والنظام الطائفي في لبنان الذي يحفظ لكل طائفة خصوصيّاتها، مسيرة الوفاء هذه.

تضرّعات لصاحب العيد

لم يتوقف الأرمن عن ترداد التمنيات بأن يحمل العيد كلَّ الخير على لبنان والعالم، خصوصاً وأنهم يعتبرون أنفسَهم لبنانيين أباً عن جدّ رغم اعتزازهم بوطنهم الأصلي وبجذورهم الأرمينية…

ورغم ما تحمله أزمة النزوح السوري من ثقلٍ على وضعهم الإقتصادي وأوضاع جميع اللبنانيين، إلّا أنهم أكثر مَن يفهم معنى التهجير والعيش في بلاد الغربة وإن تحوّلت لاحقاً الى أوطان. يغصّون على حال تجارة يُعَدّون أربابَها، «ربينا الولاد كلن من بيع التياب»، تشير إحدى صاحبات المحال لـ«الجمهورية» دامعةً.

إذاً هم الأرمن، المواطنون الذين لم تقف الغربة حاجزاً أمام طموحهم، ولم تقف المعاناة رادعاً أمام أملهم بالحياة، ينتظرون عيد المخلّص ليتضرّعوا له وليذكّروه، أنّ هنا وهناك وفي كل بقعة من بقاع الأرض طائفةً لم يزِدها الإضطهاد إلّا إيماناً ولم يزدها التهجير إلّا تمسّكاً بالجذور.

بقلم: ربى منذر | نقلا عن التيار

scroll to top