2624.jpg

الأرمن…مأساة قدر أم قدر الصليب

لا ينطوي نهار ولا يضمحلّ نوره الاّ ويسدل ظلمته على قافلةٍ من العوائل الرحّل أتى بها الحال منذ عقودٍ الى حلب السورية واليوم يقذف بها الى حاضنة الوطن الصغير.

طفولةٌ باكية تمسك بيد شيبها وتبحث بنظراتها التائهة عن مرقدٍ بين أزقّة بيروت ومستقبلٍ آمن في ربوع جبل النصارى.

تشتعل الدروب تحت اقدامها وطراوة نعالها في مشهديّة مألوفة مثقلة بشبح ذكريات اميال الهجرة الطوال ومخصّبة بحكايات المجازر التي ما فتئت تنخر مخيلتها وتسرق الاحلام من عيونها.

الارمن في حلب السورية، حكاية قديمة العهد، حكاية المهجر الارمني تختصر بصفحاتها المطويّة على المآثر تارةً والمآسي تارةً اخرى واقع مسيحيي الشرق في مهبّ الريح.

عرفوها منذ القرن السادس للميلاد وبأصابعهم الحريرية قبضوا على التجارة فيها وهي ذائعة الصيت بانتاج الحرير وملحقاته من صناعات وفيها استنبتوا الصروح التربويّة وسائر مقومات الحياة.

اليها لم يأتوا سائحين ولا فاتحين ولا على صهوة الخيول المدجّجة بالسيوف والرماح وانّما سيراً على الاقدام في طوابير جماعيّة ساقتها السلطات العثمانية عبر جبال طوروس الى بلاد الشام.

فمن رؤف به القدر وصلها حافي القدمين متفلّتا من نعال الخيول والتي بنعل الارجل تفنّن الجزّارون في قتلهم وبنقلهم الى عرض البحار ورميهم في قعرها مثقلي الاوزان، استشاط احفاد السلطان عبد الحميد في بطشهم ، وأمّا من جار عليه وكثرٌ هم والى الثلاثة ملايين أجسام بلا رؤوس ارتقوا، فلفؤوس القصّابين استحالوا طعاماً سهلاً ولمصيدة الصحاري فريسةً لجرائم لا مثيل لها في تاريخ الانسانية.

ولعلّ مصير الاقليات في أي زمان واي مكان تلقّف السهام من كل صوب وتذوّق الرصاص المصهور المصبوب في افواهها ولان الحياد في حروب الكبار نصيبه كنصيب المصلح بثلثي العقاب، اتى البريد العثماني مدويّاً بالدم والسيف ردّاً على اشهار الارمن الحياد ابّان الحرب العالميّة الاولى ورفضهم الاتصال بأرمن روسيا بغية تشكيل فرق فدائية ارمنية لمقاتلة الروس في القوقاز وانما الاكتفاء بالامتثال لواجبات الرعايا المخلصين لمطلق دولة يعيشون فيها.

ذاك كان في زهاء الـ 1914 واما في ايامنا تلك فكان الرد سريعاً وأكثر عضاضةً مصحوباً بريح دمشقي ونفس عثماني ومروءة عربية وهوى أميركي.

فبين براثن الاسود واشداق الاحرار الثوّار، صرخات امان وعيونٌ على الجار الاكثر حدوداً مشاطرةً معه وقلوبٌ متوجّسة من الجار هو هو الاكثر تاريخاً دمويّاً معه وأما في النفوس فقناعة تخالجهم أنه وفي اي معمودية كيانٍ ،عرّابه عثماني ذبيحته ارمني في مطلق الاحوال وما الخلاف بين الحليفين الاكثر قدماً الصهاينة والاتراك الا مصطنع، فما بينهما من دين براون وكيسنجر وسايكس بيكو وما الى هنالك لا تفرّقه حادثة سفينة ولا تهويد مصلّى.

ليس في الامر ما هو بالمستور انه لا تقوم دولة على دولة ولا ثورة على عرش ولا مظلوم على ظالمه الاّ بمشيئة جماعة واحدة والكل ادوات تنفيذ اليها منتمون واليها خاشعون وفي العلن متوعّدون، فمن الغباوة ان نخال الاعداء أعداءً ، ومن الهرطقة ان نحسب احدهم على الله وأحدهم الآخر على الشيطان.

قال يسوع الناصري ذات يوم للثعالب اوجار ولطيور السماء اوكار وامّا ابن الانسان فليس له ان يسند رأسه وفي الالفية الثالثة يبدو ما قاله هو الآتي المحتوم لاتباعه، بين موت وموت وهجرة وتهجير ولايبقى الا التوقيت المحلي لعاصفة تنقلهم عن ارضهم الى غير رجعة.

بقلم: جو ايلي سلوم، الخميس 4 تشرين الأول 2012

scroll to top